قال الله تعالي علي لسان عيسي بن مريم عليه السلام : ( قال إني عبد الله
آتاني الكتاب وجعلني نبياً * وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة
والزكاة ما دمت حيا ) .
البركة .. كثيراً ما تتردد هذه الكلمة علي ألسنتنا ، وفي كل وقت نحن نطلب
البركة ، فما معني البركة ؟! وكيف تتحقق في بيوتنا وأسرنا ؟! وما هي
الوسائل التي نكتسب بها البركة ؟!
* ما هي البركة ?
البركة هي الزيادة والنماء ، والبركة في المال زيادته وكثرته ، وفي الدار
فساحتها وسكينتها وهدوؤها ، وفي الطعام وفرته وحسنه ، وفي العيال كثرتهم
وحسن أخلاقهم ، وفي الأسرة انسجامها وتفاهمها ، وفي الوقت اتساع وقضاء
الحوائج فيه ، وفي الصحة تمامها وكمالها ، وفي العمر طوله وحسن العمل فيه
، وفي العلم الإحاطة والمعرفة .. فإذاً البركة هي جوامع الخير ، وكثرة
النعم ، فلا غرابة بعد ذلك أن نجدنا نطلب البركة ونسعي إليها ... ولكن كيف
؟!
وهل البركة تكتسب اكتساباً من الحياة ، أم أنها عطاء إلهي مخصص لبعض الناس
دون الآخرين؟! وهل جعلها الله عامة يمكن لأي أحد أن يحصل عليها ، أي أنه
خص بها عباداً من خلقه وأفردهم بها فلا تنبغي لأحد سواهم ؟!
* معجزات عيسي بن مريم .
وعيسي بن مريم عليه السلام وهبه رب العزة البركة فقال : ( وجعلني مباركاً
) فانظر معي إلي آثار بركة الله في هذا النبي الكريم : فقد جعل الله عز
وجل من بركاته أن أنزل عليه مائدة من السماء يأكل منها قومه ،وجعل له
القدرة علي خلق الطير من الطين بإذن الله ، ويشفي الأكمة والأبرص بإذن
الله ، ويحي الموتى بإذن الله ، ولم ينته عمره أو ينقض بالموت بل رفعه
الله إليه ، وفي آخر الزمان يعود لينزل إلي الأرض مرة أخري ويقيم العدل
فيها ويقضي علي الظلم والفساد ، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ، وإنه لم
يقتل أو يصلب كما ادعت النصارى ، ولكن الله كرمه ورفعه إليه ، ويوم
القيامة يكون عليهم شهيداً فيما كذبوا وافتروا عليه .
* الأمور الجالبة للبركة .
نلخص لك عزيزي المربي هذه الأمور في ستة عشر سبباً جالبة للبركة :
1- القرآن : فالله تعالي وصفه بأنه مبارك فقال : ( وهذا كتاب أنزلناه
مبارك مصدق الذي بين يديه ) . وقال صلي الله عليه وسلم : لا تجعلوا بيوتكم
مقابر . إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) .
2- التقوي والإيمان : ولا شك أنها من الأمور الجالبة للبركة ، حيث يقول
الله عز وجل : ( ولو أن أهل القري أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من
السماء والأرض ) ، والزوج يجد البركة بتقواه مع زوجته وأولاده ورزقه
وحلاله .
3- التسمية : وتكون في بداية كل عمل ليمنع إشراك الشيطان في أعماله ، قال
صلي الله عليه وسلم : كل عمل لم يبدأ باسم الله فهو أبتر ، أي مقطوع وناقص
البركة ، وقال أيضاً : إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالي عند دخوله وعند
طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالي
عند دخوله ، قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله تعالي عند
طعامه فقال : أدركتم المبيت والعشاء ، فالتسمية تبارك في أعمالنا وتجعلها
خالصة من رجس الشيطان وشره .
4- الاجتماع علي الطعام : وقد بورك الأكل المجتمع علي الطعام وجعلت البركة
علي الطعام الذي يجتمع عليه الناس ، قال صلي الله عليه وسلم طعام الاثنين
كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة ، ويظهر هذا جلياً في إفطار
رمضان حيث تزداد بركة الطعام بازدياد عدد المجتمعين عليه .
5- السحور : لقوله صلي الله عليه وسلم فإن في السحور بركة ،والبركة هنا الأجر والثواب ، وتحمل الصوم ، والتقوى علي طاعة الله .
6- ماء زمزم : وهذا العين المباركة التي خرجت في أرض جافة ليس فيها ماء
ومن وسط الجبال وهي لم تنقطع ، وهي عين مباركة ، بل وقد قال عنها صلي الله
عليه وسلم : يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ـ أو قال لو لم تغرفل من
الماء ـ لكانت عيناً معيناً . أي أنها كانت لو لم تغرف منها أكثر غزارة
بكثير .
7- زيت الزيتون : وشجر الزيتون شجر مبارك وصفه الله بالقرآن كذلك حيث قال
تعالي في سورة النور : المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من
شجرة مباركة زيتونه لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار .
كما يعرف زيت الزيتون بأنه علاج نافع لكثير من الأمراض .
8- ليلة القدر : ولا يخفي علي أحد ما في هذه الليلة من البركة ، فيجمع
فيها رب الأسرة أفراد أسرته ويحدثهم بفضلها وبركاتها ورحماتها ، ثم يصلون
معاً ويذكرون الله تعالي في هذه الليلة المباركة ، قال تعالي : ( إنا
أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ) قيل هي ليلة القدر.
9- العيدين : والذي يبدؤه الناس بصلاة العيد يشكرون الله فيها علي ما
أعطاهم من نعمه الكثيرة فيبارك لهم في هذه النعم ويزيدها وينميها لهم،
ولذلك تقول أم عطيه رضي الله عنها : كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد ، حتي
نخرج البكر من خدرها ، حتي تخرج الحيض ، فكيف خلف الناس فيكبرون بتكبيرهم
، ويدعون بدعائهم ، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته .
10- الأكل الحلال : وهو الأكل الطيب الذي يبارك الله فيه ،قال صلي الله عليه وسلم : أيها
الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، فالمال الحرام لا يبارك الله به ولا يعود علي أصحابه إلا بالفقر والنقص .
11- كثرة الشكر : وهي واضحة من قوله تعالي : ( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) ,
والزيادة هنا زيادة في كل شيء سواء بالمال أو الصحة أو العمر إلي آخر نعم
الله التي لا تعد ولا تحصي.
12- الصدقة : والتي يضاعفها الله تعالي إلي عشر أضعاف إلي سبعمائة ضعف فلا
شك أنها تبارك مال الإنسان وتزيده ، قال تعالي : ( مثل الذين ينفقون
أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة
والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) ، وقال صلي الله عليه وسلم : (
الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف ، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله
عنها ) .
13- البر وصلة الرحم : كما أخبر النبي صلي الله عليه وسلم : صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن في الأعمار .
14- التبكير : وذلك يكون في استيقاظ الإنسان باكراً وابتداء أعماله في
الصباح الباكر ، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : بورك لأمتي في بكورها
, ويتحدث كثير من الأشخاص عن سبب نجاحهم أنه التبكير في أداء الأعمال .
15- الزواج : وهو أحد الأسباب الجالبة للبركة ، وقد كان بعض السلف الصالح
يطلبون الزواج لكي يتحقق لهم الغني ويأتيهم الرزق ، لأنهم فهموا ذلك من
قوله تعالي : ( وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن
يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) ، وكذلك قوله تعالي :
( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) .
16- التخطيط : أنه تعالي قد وعد نبيه بالنصر مسبقاً وبشره به ، فكيف يمكن
بعد ذلك لأي كان أن يعطل التخطيط والإعداد بمظنة منه أن البركة هي التي
تسهل الأمور في حياته .
وهل نري اليوم العائلات نخطط لمستقبلها ومستقبل أبنائها ، أم أنها تدع
الأمور علي البركة !! لا شك أننا بحاجة لإعادة النظر في هذا المفهوم
وبحاجة أن نخطط ونستعد للمستقبل وبعد ذلك نتوكل علي الله ونطلب منه البركة
.