حوالي 20 % من البالغين يصابون بالمرض النفسي في مرحلة ما في
حياتهم,
والإحصائيات تدل على أن 4 من 10 من أسباب العجز يرجع بالدرجة
الأولى
إلى إمراض نفسية وأولها مرض الاكتئاب. وبالرغم من شيوع المرض
النفسي
إلاّ أن حوالي 50 % أو اقل يسعون للعلاج.
تقدم مذهل حدث في حقل الطب النفسي من حيث الإلمام بطبيعته أو
وسائل
علاجه. ولكن بالرغم من ذلك لا زالت الوصمة ملتصقة به وهذا يحدّ
كثيراً
من سعي المريض أو أهله للعلاج. والآن تتوفر مستشفيات أو أقسام
للطب
النفسي حديثة من حيث المباني والتجهيزات ووسائل العلاج مقارنة
بما كان
في الماضي حيث كان يحجز المرضى في مصحات غير صحية ويعاملون
فيها معاملة
قاسية ويعالجون بأساليب غير إنسانيه أقرب إلى التعذيب ويربطون
بالسلاسل
ويتركون ليتبرزوا على نفسهم وأكثرهم يموت ويكون ذلك خلاص لهم
من
العذاب.
كما قلت سابقاً بالرغم من القفزة النوعية في أسلوب التعامل مع
المريض
النفسي, وعلاجه بأساليب متطورة, فإن الوصمة لا تزال موجودة
فالمريض
النفسي قد يلام على مرضه، وقد يعتقد أنه ضعيف أو كسول , أو غير
مسئول,
وفي رأي الكثيرين أن المريض النفسي ليس جدير بالاهتمام مقارنة
بالمريض
الذي يعاني من مرض عضوي. فلذلك يقصى عن العمل والحياة
الاجتماعية وحتى
الأسرية في بعض الأحيان. وقد يشارك المسئولون في هذا التفكير
فيهملون
إعطاء الخدمات المتعلقة بالمريض نصيبها من المال والاهتمام.
أسباب المرض النفسي عديدة ولكن يمكن تلخيصها بأنها نتيجة تفاعل
معقّد
بين الاستعداد الوراثي والضغوط النفسية والبيئية. مع حدوث بعض
التغيرات
في الهرمونات العصبية في الدماغ من ناحية الكم والكيف. وقد
يكون لوجود
بعض التشوهات الخلقية في المخ أو تلك التي تحدث أثناء عملية
الولادة
دور في ذلك إلاّ أن للعامل الوراثي دور ملحوظ في أكثر الأمراض
العصبية
والوجدانية والعقلية.
التطور المذهل في وسائل العلاج ووسائل تشخيص المرض والوعي
الصحي
المتزايد قلّل كثيراً من فترة حجز المرضى بالأقسام الداخلية.
ونسبة
للسيطرة الكبيرة على الأعراض المرضية أصبح تقبّل العائلة
للمريض النفسي
في المنزل بدرجة أكبر وقد ساعد ذلك كثيراً في التقليل من بناء
المستشفيات الكبيرة التي تضم أسرة للمرضى. والآن يتم التركيز
على بناء
وحدات نفسية صغيرة من ضمن مباني المستشفي العام, أي ليس هناك
عزل
للمرضى النفسيين في مصحّات أو مستشفيات كبيرة تقام بعيدًا عن
المدينة.
ومن التطورات الحديثة هو بناء المزيد من المستشفيات أو المراكز
النهارية, حيث تقدم للمريض كل الخدمات المتوفرة بالمستشفيات
ذات الأسرة
ولكن بدون آسرة, إذ يظل المريض تحت الرعاية الطبية بهذه
المراكز نهارا,
ثم تتولى الأسرة رعايته بقيه اليوم كأحد أفرادها لتظل علاقاته
الأسرية
في ترابط وانسجام.
وكذلك من التطورات الحديثة التي ارتقت بالمريض النفسي إنشاء
وحدات
لتأهيل المريض النفسي بعد شفائه لكي يسترجع جميع مهاراته التي
افتقدها
في المجال المهني والاجتماعي والإنساني بسبب المرض وهذه غالباً
ما تكون
مضافة إلى المراكز النهارية أو قائمة بذاتها.
في بعض الدول المتقدمة تبني وحدات سكنية وسط الأحياء السكنية
تحت
الإشراف أو بدون إشراف للمرضى النفسيين ليتعودوا على العيش
باستقلالية
وسط مجتمعهم، وكذلك قد يوفر للمرضى النفسيين وحدات مهنية ملحق
بها سكن
لهم, وذلك يلبي غرضين، تأهيل مهني، وفي نفس الوقت إيواء لهم.
ومن أهم التطورات هي إصدار قوانين الصحة النفسية التي تحمي
المرضى
النفسيين من إيداعهم الأقسام الداخلية قسراً حتى تحفظ لهم
حقوقهم
القانونية لكيلا يتم حجزهم بدون أسباب مقنعة ونفس هذه القوانين
أتاحت
للمجتمع الحجز ألقسري للمرضى الذين يشكلون خطورة على أنفسهم أو
على
غيرهم ويحتاجون للعلاج ولكنهم يرفضون وذلك لحمايتهم و حماية
الآخرين.
شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بالمريض النفسي من قبل
المجتمع.
فقد أنشئت العديد من الجمعيات التطوعية التي تهتم بمشاكل
المريض وتقديم
المعونة له في كل المجالات الخدمية والاجتماعية. وكذلك تكونت
مجموعات
خدمة الذات المكونة من أهالي المرضى وأصدقائهم للاجتماع
والاتصال مع
بعضهم البعض للتدارس وتبادل الخبرات في كيفية التعامل مع
المريض لخلق
جو من الود والوئام بينه و العائلة بحيث تقل الحاجة للاستعانة
بالخدمات
الطبية إلاّ في حالة الضرورة القصوى وهذا قلّل كثيراً من
الحاجة للدخول
للمستشفى مرة أخرى .
كما زاد بشكل واضح اهتمام أجهزة الإعلام المختلفة بالمريض
النفسي وبنشر
الثقافة النفسية بين المواطنين تشجيعاً لهم بعدم التردد و
التقدم لطلب
العون متى ما دعت الحاجة لذلك.
علاج المرض النفسي
هنالك وسائل علاجية ثلاث رئيسية لعلاج الاضطرابات العصابية
والوجدانية
والعقلية.
العلاج بالعقاقير الطبية
مثل مضادات القلق والاكتئاب والذهان. وقد حدث تطور مذهل في هذه
الأدوية
من حيث الأعراض الجانبية مما ساعد كثيرا على التزام المريض
بالجرعة
والاستمرار في تناول الدواء. إلاّ أنها مرتفعة السعر وأصبحت
عسيرة على
قطاع كبير من المرضى ذوى الدخل المحدود. أما بالنسبة للفعالية
فلا فرق
يذكر بين الأدوية الحديثة والقديمة وقد تكون الأخيرة ذات
فعالية أكبر
في بعض الأحيان.
من المعروف أنه ليس الجميع يستجيب لهذه الأدوية بطريقة مرضية،
ولذلك قد
يضطر الطبيب أن يستبدل العقار بغيره بعد فترة تجريبية كافية.
وقد لا
يستجيب المريض لجميعها فيستفحل المرض وتزمن الحالة. وفى مثل
هذه
الحالات قد يلجأ الطبيب إلى العلاج بالصدمات الكهربائية وتكون
فيها
الاستجابة. وفى بعض الأحيان يحدث انحسار للأعراض بصورة ذاتية
وقد تكون
بشكل كامل أحياناً، لأن من طبيعة المرض النفسي الانحسار
والانتكاس.
العلاج الاجتماعي
وهو يركز على تأهيل المريض النفسي بعد شفائه تأهيلا مهنيا
واجتماعيا
وفى علاقاته الإنسانية لكي يستعيد مهاراته التي تأثرت سلبا
بسبب المرض.
مع توفير العمل والمأوى والاندماج من جديد في الحياة
الاجتماعية وفى
بيئته . ومن المهم مساعدة المريض على تحديد وتفهم الضغوط
البيئية التي
ساهمت في حدوث المرض ومن ثم مساعدته على إيجاد الحلول المناسبة
حتى لا
ينتكس مرة أخرى.
العلاج النفسي
العلاج النفسي مهم للغاية ويدعم العلاج بالعقاقير ويسرع عملية
الشفاء.
أ- في مجال الاضطرابات العصابية:
مثلا في حالات القلق والتوتر العصبي والمخاوف والرهاب ونوبات
الفزع
المتكررة. هذه الحالات لا تستجيب للعقاقير الطبية بصورة كاملة،
بل تقلل
من درجة القلق لحين زوال مفعولها بعد ساعات قصيرة ثم يعاود
المريض
معاناته من جديد. وكثير من هؤلاء المرضى تعودوا تعاطي هذه
الأدوية وعند
محاولتهم التوقف أو تقليل الجرعة تنتابهم الأعراض الإنسحابية،
فيضطرون
مواصلة التعاطي بصورة قريبة من الإدمان.
الاضطرابات أعلاه تحدّ من فاعلية الشخص. فهو إمّا أنه يعاني من
أعراضه،
أو في حالة ترقب لنوبة أخرى من هذه الأعراض. ويكون دائما في
حالة عصبية
سيئة، ينفعل لأتفه الأسباب، ولا يستطيع السيطرة على نفسه وقد
يتصرف
بطريقة يندم عليها لاحقاً وتجعله يخجل من نفسه أو يرثى لحاله.
هذه الحالات تستجيب للعلاج النفسي بالأسلوب
السلوكي
والمعرفي،
وفى الحالات المعقدة الأسلوب
التحليلي
بالغور داخل العقل الباطني لاكتشاف الصراعات الداخلية المتسببة
للأعراض
التي يشكو منها المريض، وبعد تحليلها وفهمها بواقعية ونضوج
وإفراغها من
شحنتها العاطفية، ينتهي مفعولها على المريض ليعود لحالته
الطبيعية.
ب - في مجال الاضطرابات الوجدانية:
الصراعات الداخلية مع الاستنتاجات الخاطئة عن الذات، والدنيا،
والمستقبل، تؤدى للحالة الاكتئابية. مثل هذه الحالات تستجيب
للعلاج
المزدوج بالعقاقير الطبية والعلاج النفسي. وقد أظهرت كل
الدراسات أن
الأسلوب
السلوكي المعرفي
من أنجح الوسائل العلاجية. وكذلك الأسلوب
المساند
الذي يساعد المريض على تفهم المشاكل والضغوط التي تتسبب في
المرض
وكيفية التعامل معها.
ج - في مجال الأمراض الذهانية:
بعد استعادة البصيرة و مع زوال الأعراض المرضية الحادة، يحتاج
المريض
إلى
علاج نفسي داعم
وذلك للتخلص من الآثار السلبية في صورة الذات و فقدان الثقة
بالنفس
والآخرين. وكذلك يحتاج لكي يتعلم الأساليب التي تساعده على
السيطرة على
حالات القلق المستمرة الناتجة عن الصراعات الداخلية.
دور العلاج النفسي بالتنويم:
في كل الحالات المذكورة أعلاه التنويم يساعد على ممارسة كل
الأساليب
العلاجية بطريقة أسرع وأفعل وذلك بالتعامل مباشرة مع العقل
الباطني.