حلـم
استقل المترو يوميا تقريبا حيث انه وسيلة المواصلات الوحيدة المتوفرة بين
منزلي وعملي وفي احدى ليالي الشتاء القارصة بعد ان انهيت عملي ذهبت انا
وصديقاتي كي نستقل المترو وجلسنا متلاصقين نحاول ان نتدفأ ببعضنا البعض
ونظرت حولي فلم اجد احدا سوى طفل صغير لا يتعدى الخمس سنوات لا يرتدي سوى
قميصا ممزق لشخص بالغ يصل الى ركبتيه او قبل ذلك بقليل ولا تستطيع رؤية
يديه الصغيرتين الغارقة في اكمامة المتدلية ...
شديد النحالة والضعف هو... بالرغم من شدة
الاتساخ فتبدو ملامح براءة وجمال في وجهه لاتوصف........
رأيته يجلس على احدى المقاعد وينظر الى
السماء بتامل عميق فكانما يريد ان يرى شيئا خلالها
احسست بقلبي ينفطر حسرة عليه فذهبت اليه
واعطيته بعض النقود ولكنه نظر الى النقود ثم الي ثم عاد ببصره الى السماء
...دهشت من تصرفه بشدة فكيف يرفض طفل فقير المال
فنصحتني صديقتي بان اجلب له قطعة حلوى
فالاطفال يحبون الحلوى جدا وبالفعل اشتريت له شيكولاتة واعطيته اياها فشدها
من بين يدي واخذ يضحك ويرقص ويقبلها ..انهمرت دموعي وانا ارى فرحة هذا
الطفل المسكين وحاولت ان اساعده في فتحها ولكنه رفض ودفع بيدي بعيدا فسالته
الن تاكلها... اخبرني بانه سوف يحتفظ بها حتى غد كي ياكلها هو و فتحي
فسالته من هو فتحي فقال لي انه صديقه فاعطيه واحدة اخرى وقلت له اعطها
لفتحي ففرح بها جدا وعندما انتهى من التهام قطعته حاولت ان اتكلم معه قليلا
حتى ياتي المترو فقلت له نفسك تطلع ايه لما تكبر فرد علي قائلا: انا نفسي
اطلع السما فضحكت من رده وسالته عن سبب هذه الرغبة فرد علي : فتحي صاحبي
قال لي ان السما في ناس عايشين فوقها وكلهم اغنيا وطيبين وقالي كمان ان
فيها اكل كتير اوي
فضحكت
وقلت: انت تقصد الجنة صح ؟
فنظر الي ثم عاد الى شروده في السماء عندها عدت وسالته : انت
ساكن فين؟ ... اشار لي الى المقعد واخبرني انه ينام هو و فتحي على مقاعد
محطة المترو
فسالته
عن والديه فلم يعرف معنى الكلمة فلوى شفتيه ثم قال لي فتحي
وبعد ذلك اعتدت رؤيته يوميا واعتدت ايضا ان احضر قطعتي حلوى
له ولفتحي صديقه اللذي لم اره يوما
وفي احدى الليالي وجدته يقترب مني ويسالني : هوا انتي نزلتي
من السماء فضحكت وسالته لماذا فاخبرني لاني طيبة جدا فقلت له ان الارض فيها
ناس طيبة كتير وبيساعدو الاطفال ولكنه نظر الي مستنكرا وقال لي: انتي مش
فاهمة حاجة انا هفهمك فقلت له : كلي اذان صاغية بالطبع لم يفهم حرفا مما
اقول ولكنه ابتسم وفرد ظهره ووضع ساقا على الاخرى متظاهرا بجدية الامر
وقال: الناس اللي ع الارض مش بيحبوا الفقرا فمرة كان في راجل شايل ابنه
وبياكله بس ابنه مسك الاكل ورماه ع الارض وانا كنت جعان جدا فجريت ع الاكل
بس الراجل شاطني برجله وقالي ابعد ياحيوان ومرة تانية كان في بنت جميلة جدا
ماشية مع ست كبيرة فسابت ايد الست وقعدت جنبي واديتني حتة من الاكل اللي
معاها بس الست شدتها من ايديها وفالت لها متكلميش الاشكال دي تاني انتي
فاهمة وغيره وغيره
اصلا
مش فاكر من كتر اللي انا شفته بس عارفة انا مش زعلان عشان انا في يوم من
الايام هطلع السما واعيش مع الناس الطيبين واكل كتير جدا كل اللي نفسي فيه
عدت الى منزلي
ولا ادري كيف فقد كنت لاابصر امامي من كثرة دموعي ومرت الايام وقرر والدى
ان نذهب الى الاسكندرية لنمضي بها اسبوع او اثنين وبالفعل حصلت على اسبوع
اجازة من عملي وسافرنا وعندما عدت الى القاهرة كان بي شوق شديد لهذا الغلام
الصغير وكنت قد احضرت له الكثير من الحلوى والهدايا ولكني لم اجده في
مكانه وانتظرته كثيرا وكنه لم ياتي .....
وفى احد الايام وجدت احد الاطفال يجلس مكانه وينظر الى
السماء ايضا فخمنت على الفور انه فتحي فاقتربت منه واعطيته قطعة حلوى
وسالته عن اسمه فعلمت ان تخميني صحيح هذا هو فتحي الذي طالما حدثني عنه
الغلام المسكين فسالته عن صديقه فاشار باصبعه الى السماء فلم افهم فقال لي :
طلع السما
فسالته
كيف فقال لي : مات.........
فصرخت في وجهه : ايه اللي انت بتقوله ده مش ممكن ده لسه صغير
ايه اللي حصل له انطق
فاخبرني بانه كان يشعر بالجوع الشديد وكان احد المارة ياكل
فطلب منه قطعة ولكنه رفض فظل الغلام يبكي ويتوسل اليه من شده الجوع فدفعه
الرجل دفعة قوية القته على شريط المترو ولكم ان تتخيلوا ما حدث بعد ذلك
فاخذت ابكي واصرخ ونظرت الى
السماء فوجدت وجه جميل ينظر لي ويضحك عندئذ توقفت عن البكاء وابتسمت له
........................................هاقد تحقق
حلمك....................................